13‏/12‏/2010

بغيبتي نزل الشتى... والعم بيصلّوا كتار!

يوم الخميس 2-12، تم افتتاح فرع معهد غوته الألماني في حلب في مدرسة/كنيسة الشيباني في حلب القديمة، وبهذه المناسبة أعد المعهد جدول حافل من النشاطات الثقافية والفنية تضم حفلات موسيقية ومعارض فنية وعروض لأفلام سينمائية خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول.
وبما أنني لم أحضر أي نشاط ثقافي أو فني في حلب منذ زمن بعيد لأن زياراتي السنوية تأتي عادة في الصيف، مما يعني الهروب إلى الجبل وأحياناً قليلة إلى البحر، وجدتها فرصة أن أستكشف حال المدينة من جديد.
إذاً بدأت نشاطي يوم الخميس حيث استمتعت بحضور حفلة موسيقية مشتركة لعازف العود الألماني
Roman Bunka رومان بونكا مع عازفين من فرقة دوبامين من حلب في مدرسة الشيباني، وهذه زيارتي الأولى لمدرسة الشيباني التي أصبحت مقراً لاستضافة عدد كبير من النشاطات ضمن برنامج إحياء حلب القديمة.
وفي يوم الثلاثاء 7-12 تابعنا نشاطات معهد غوته مع حفلة لعازف البيانو الألماني Axel Zwingenberger إكسيل تسنغربيرغر لموسيقى Boogie Woogie البوغي ووغي على مسرح مديرية الثقافة. لم يكن لدي أي فكرة عن موسيقا "بوغي ووغي" ولكن ما قرأته عن هذا اللون من الموسيقا وعن العازف الألماني تسنغربيرغر كان كافياً لتحريك فضولي ودفعي لحضور الأمسية.
قدمت المترجمة معلومة أسعدتنا وهي أن العازف كان مدعواً لحضور حفلة للمغني الشهير إلتون جون ستقام في مدينة هامبورغ في نفس اليوم، ولكنه فضل الحضور إلى حلب وإحياء الأمسية لجمهورها!
كان جمهور الأمسية كبيراً نسبياً ومتنوعاً جداً لدرجة أثارت عندي بعضاً من التساؤل عن طبيعة التغيرات التي جرت على المدينة، ولا أعرف لماذا قفزت كلمات الشاعر طلال حيدر "بغيبتك نزل الشتى.." إلى الذاكرة وسيطرت علي لفترة غير قصيرة.
البوغي ووغي حسب نشرة "حلب في شهر" موسيقا مرحة ومفعمة بالحركة، أما العازف أكسيل تسينغربيرغر فيلقب بملك البوغي ووغي وحالما يبدأ العزف فإنه لايستطيع التوقف أبداً.
بالفعل كان الحفل ممتع وبرزت روح العازف المرحة من خلال أدائه وحركته على البيانو وربما لو كان المكان مناسب لتجاوب الجمهور معه رقصاً على أنغام البوغي ووغي.
من مفارقات الحفل أنه في النصف الثاني من الأمسية بدأت أعداد من الناس تتوافد إلى المسرح وتنسل إلى المقاعد الأمامية وكلما اقتربت الأمسية من نهايتها ازداد تدفق الحضور أمام حيرتي وتساؤلي إذا كان هؤلاء الأشخاص مغرمين بموسيقى البوغي ووغي إلى هذه الدرجة فلماذا تأخروا على الحضور ولماذا الإصرار على مقاطعة الجالسين بحثاً عن الأماكن الأمامية.
سيدة ظريفة تجلس خلفي (أعطتني لمحة موجزة وكافية عن حياتها وعائلتها قبل بدء الحفل) احتجّت ونادت الشاب الذي يشرف على إدخال الناس وطلبت منه عدم السماح لمن يأتي متاخراً الجلوس في المقاعد الأمامية. سايرها الشاب بالإيجاب وتابع تمرير معارفه –كما كان واضح- إلى المقاعد الأمامية، والطلب من الآخرين الالتزام بالجلوس في المقاعد الخلفية.
ما إن انتهت البوغي ووغي وفتح الباب حتى تدفق المنتظرون خارج الصالة، وسريعاً زالت حيرتي عندما ذكرت تلك السيدة أنهم قادمون لحضور حفلة للمطرب عبدالقادر أصلي؟!!
( كان بودي تحميل صور الحفلتين ولكن تبين أنني نسيت وصلة الكاميرا في دبي)


11‏/12‏/2010

كمين على الشبكة

بقلم: فاطمة نعناع
تلك الليلة لم تتمكن اليزابيث من النوم.. كيف تنام بعد أن اعترفت لها ابنتها ذات الستة عشر عاماً أنها تعرضت قبل عامين لتحرشات من قبل ريتشارد؟!
كيف تنام وهي تشعر أن آثار هذا التحرشات، لا تزال باقية في نفس الفتاة، على الرغم من مضي هذه الفترة الطويلة؟!
كانت صدمة اليزابيث شديدة لأسباب عدة، فالمدعو ريتشارد في السادسة والأربعين من العمر، متزوج وله طفلان، والأدهى من ذلك أنه كان جاراً مقرباً لهم، وكانت العائلتان تتبادلان الزيارات في كثير من المناسبات، قبل أن يبدل سكنه وينتقل إلى حي آخر.
قضت اليزابيث الليل والغضب يلهب صدرها، وهي تفكر في طريقة تتمكن بها من النيل من ذاك السافل، والاقتصاص منه. ومع خيوط الفجر الأول،ى كانت قد توصلت إلى قرار برفع دعوى قضائية ضد المجرم لينال الجزاء الذي يستحق. وفي الصباح أبلغت ابنتها بما استقر عليه رأيها، لكن الفتاة رفضت بشدة، أن تشهد بواقعة التحرش، لشعورها بالخجل من إعلان مثل هذا الأمر على الملأ. وعلى الرغم من إصرار الأم على عدم ترك الأمر يمر بدون أن يأخذ المجرم عقابه، إلا أنها تفهمت مشاعر ابنتها، وبدأت تبحث عن طريقة أخرى تصل بها إلى هدفها المشروع.
ومن خلال استشارتها لبعض المقربين وكذلك أحد المحامين تأكدت أنه بدون دليل ملموس أو شهادة الفتاة، لا يمكن مقاضاة المتهم. وبما أن ابنتها لن تشهد، فمن أين لها الحصول على دليل؟
بدأت اليزابيث في جمع المعلومات عن حياة ريتشارد، علها تجد فيها ما يفيد قضيتها، ولم يكن الأمر صعباً، باعتبار أنه كان جاراً سابقاً للعائلة. وتبين لها من خلال المعلومات التي جمعتها أنه لا يزال يدير شركته العقارية الصغيرة، وأنه بدأ منذ عام باستخدام شبكة إنترنت في أعماله.
أفضت اليزابيث بسرها إلى صديقتها كاتي، التي تعمل في إحدى شركات الكمبيوتر، فأعجبت بحزمها وإصرارها على متابعة الموضوع، ثم قالت بحماس، أنها قد تستطيع مساعدتها، على نصب كمين لريتشارد على شبكة إنترنت.
ضمت اليزابيث كفيها بقوة وكانت كالغريق الذي يتعلق بقشة، والتفتت إلى صديقتها وعيونها تسبق لسانها في السؤال: لكن كيف؟!
أجابت كاتي: يستخدم العديد من الرجال المهووسين إنترنت كوسيلة للتغرير بصغار السن، وذلك من خلال غرف الدردشة (chatting rooms)، التي يتردد عليها المراهقون بنسبة عالية، ومن المحتمل أن نعثر على ريتشارد بينهم.
قلت اليزابيث: لدي بعض الخبرة بإنترنت، فأنا استخدمها للمراسلة، وأحياناً للتسوق. وجربت مرة الدخول إلى "غرف الدردشة"، لكنني وجدت أن معظم الموجودين فيها يستخدمون أسماءً وهمية، فكيف يمكننا اكتشافه، حتى إن كان موجوداً فيها؟
كاتي: معك حق، لكننا نستطيع معرفة عنوان الكمبيوتر (IP) لكل مشارك في الدردشة باستخدام أمر whois، أو أمر مشابه، حسب برنامج "الدردشة" المستخدم، فإذا عرفنا عنوان كمبيوتر ريتشارد، تكون أمامنا فرصة كبيرة لاكتشاف هويته.
اليزابيث: كيف لنا أن نعرف عنوان كمبيوتره؟
كاتي: ذكرت لي أنه يدير أعماله عن طريق إنترنت، ومن المرجح، لذلك، أن يملك خطاً خاصاً بإنترنت، وسيمكننا ذلك من اكتشاف عنوان كمبيوتره بسهوله. ألم يرسل لك، حديثاً، أي رسالة إلكترونية؟
اليزابيث: أجل، بعث لي رسالة تهنئة بمناسبة حلول العام الجديد، لكن ماذا يفيدنا ذلك؟
كاتي: افتحي بريدك الإلكتروني، وسوفت ترين الجواب بنفسك.
توجهت الصديقتان نحو الكمبيوتر، ثم فتحت اليزابيث برنامج البريد الإلكتروني الذي تستخدمه، وكان Outlook، وعرضت لصديقتها الرسالة التي تسلمتها من ريتشارد. نقرت كاتي بسرعة، على أمر Options، فظهرت على الشاشة تفصيلات جديدة عن مرسل الرسالة، بما في ذلك عنوان كمبيوتره (IP)، الذي بدا مشابهاً للعنوان (199.202.333.55). بادرت كاتي لتسجيل هذا العنوان على ورقة جانبية، ثم قالت: تستطيعي الآن، إن حالفك الحظ قليلاً، أن توقعي ريتشارد في كمين، لكن عليك أن تتحلي بالصبر.
أمضت اليزابيث ثلاث ليالٍ كاملة أمام شاشة الكمبيوتر تبحث في غرف الدردشة الشهيرة، المخصصة للصغار، عن عنوان كمبيوتر يطابق رقم كمبيوتر ريتشارد، وكانت تضع مؤشر الماوس على اسم كل مشارك، ثم تستخدم أمر whois للتعرف على عنوان كمبيوتره. وبدا لها الأمر كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، ونال التعب من جسدها، وأجهد النظر المستمر إلى الشاشة عينيها، إلا أن اليأس لم يجد طريقه إليها.
وفجأة تسمرت عيناها على الشاشة ولمرات عدة، راحت تقارن الرقم، ولم تصدق أنها وجدت ضالتها في شخص أطلق على نفسه اسم "المحب" (lover).
أخذت نفساً عميقاً، وبدأت تعد العدة لنصب كمين للإيقاع بالمجرم.. عرَفت عن نفسها كفتاة في الخامسة عشرة من عمرها، شقراء الشعر، وتشكو الوحدة، وتبحث عن صديق يكرس جزءاً من وقته لها، ثم اقترحت عليه الانتقال إلى غرفة دردشة خاصة (private room)، بحيث يستطيعان الحديث، بدون تطفل الآخرين. وافق ريتشارد مباشرة، ومؤكد أنه كان على الطرف الآخر يفرك يديه ويمني نفسه بمتعة جديدة.
وتشعب الحديث بينهما، وكانت اليزابيث تحاول باستمرار مد خيوط الشبكة بنعومة، وتعمل على الإيحاء له أنها فتاة ساذجة يسهل التغرير بها.
وزاد سروره عندما بدأ يلمح لها ببعض العبارات الجنسية ولا يجد ممانعة لديها، بل كانت تتصنع الخجل، وتسترسك في الوقت ذاته، في حديث تشجعه من خلاله على الاستمرار.
وعندما عرض عليها اللقاء، تمنعت بداية مدعية الخوف كونها لا تعرفه جيداً، فبذل كل ما لديه من عبارات الود والحب، محملاً إياها كل الصدق الإنساني. وعندما كرر المحاولة، قبلت وأعطته موعداً في اليوم التالي. ولم تنس اليزابيث أن تحفظ كافة تفاصيل الدردشة باستخدام الأمر Save Buffer.
اتصلت اليزابيث، عقب ذلك، مع الشرطة المحلية وأطلعتهم على القصة كاملة وعلى الموعد الذي رتبته مع ريتشارد.
وكان اللقاء المفترض في اليوم التالي الساعة الخامسة مساء الأحد، ولكي لا تترك له مجالاً للشك، استعانت اليزابيث بابنة صديقتها ذات الأربعة عشر عاماً. وفي المكان المحدد، تقابل الاثنان وخلال دقائق، وبينما كان يفتح لها باب سيارته، قبضت الشرطة عليه لتقديمه للمحكمة، بتهمة التغرير بقاصر من الدرجة الثانية، لينال عقوبة السجن مدة عامين.



05‏/12‏/2010

صبح ومسا من حلب

أنا والإنترنت..


حركة دخولي إلى الإنترنت مقيدة هذه الأيام، إذ علي أن أتصفح بسرعة بعض المواقع الأساسية التي أرتادها عادة، وأن أقرأ الإيميلات وأرد على بعضها وأؤجل تلك التي تحوي صور وفيديو (ربما أحتاج ليوم كامل لفتح المتراكم منها) لحين رجوعي إلى دبي.
ثم ألقي لمحة سريعة على فيس بوك وقليل من سكايب وجوجل توك للإبقاء على التواصل، مع إلغاء تام لليوتيوب والإذاعة والأغاني وتنزيل وتحميل الملفات. إذ أنني لو استخدمت الإنترنت كما أستخدمها في دبي لربما تجاوز المبلغ الذي سأدفعه عشرة آلاف ليرة (حوالي ألف درهم). فعلى الرغم من أن استخدامي للإنترنت خلال الأسبوعين الماضيين كان في الحدود الدنيا إلا أن الفاتورة التي دفعتها كانت كبيرة.
ومع ذلك لابد أن أشير إلى أن الحصول على اشتراك إنترنت محمول 3G كان مناسب جداً وعملي، على الرغم من تكلفته العالية.


30‏/11‏/2010

همّ البنات للممات حتى لو كانوا مسعدات!!

طوال عمري كنت أشعر بالغيظ عندما أسمع النصف الأول من المثل الشعبي "هم البنات للممات" يتردد على ألسنة الجميع، واليوم فوجئت بأن له تتمة "حتى لو كانوا مسعدات" ليزداد غيظي.
يقال هذا المثل عندما تتعرض الأنثى لمشكلة ما وبشكل أخص الزوجة. ودائماً ترافقه مجموعة من الوصايا توجه للزوجة التي تتعرض لكل أنواع العنف الجسدي والنفسي، وتصب جميعها في إطار: لا تخربي بيتك الله يرضى عليك، معلش جوزك بدك تتحمليه، عندك ولاد لازم تفكري فيهم.

أجد نفسي عاجزة عن تقديم المشورة المناسبة لنساء قريبات يتعرضن للعنف والقهر والظلم، فلو كان الأمر يخصني أو يخص ابنتي لكان لي رأي مختلف وهو "فليذهب هكذا زوج وهكذا بيت إلى الجحيم" ولكن أجد نفسي مضطرة في كثير من المواقف لأن أكون حيادية وأنظر إلى الظروف الموضوعية التي تحيط بهذه أو تلك. ولذلك عندما أقدم وجهة نظري أشعر أن من تتكلم لاتمت لي بصلة.





في مجتمعنا ومع غياب المؤسسات التي يفترض بها أن تقدم الدعم المادي والمعنوي للمرأة، والقانون الذي يصطف خلف الرجل ولو بشكل غير مقصود أحياناً، تجد الزوجة نفسها وحيدة عارية من أي سلاح، فتضطر إما للتخلي عن جميع حقوقها لكي تنفذ بحياتها وبالتالي تواجه ظروفاً حياتية قاسية، أو أن ترضخ للأمر الواقع الذي يفرضه الزوج مهما كان سيئاً.
منذ أيام في 25 من نوفمبر/تشرين الثاني كان اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة. على الرغم من أهمية هذا اليوم، ولكن إن لم يصار إلى تغيير القوانين التي تنظم العلاقة بين الرجال والنساء في مجتمعنا وصياغتها بشكل واضح وصريح وبعيد عن أي لبس وتأويل، وبما لايترك مجالاً للتحايل والتلاعب، وبما يضمن للمرأة حقها في حياة كريمة وإنسانية، فستبقى النساء المعنفات عاجزات عن رد العنف الذي تتعرضن له. وسنبقى نكتب عن هذه الأيام وفي الواقع نعجز عن تقديم أبسط أشكال المساعدة المطلوبة.


حلبٌ قصدنا وهل من سبيلُ...؟!

حلبٌ قصدنا وهل من سبيلُ...؟!



ملاحظات سريعة من حلب

لم أكن أعلم أن "بلوجر" محجوب في سوريا، والآن بعد أن علمت على أرض الواقع أتساءل عن السبب أو المبرر وراء حجبه، طالما أن خدمة التدوين بحد ذاتها متوفرة على مواقع أخرى

أُفضّل من الشهور تشرين الثاني الذي يرتبط في ذاكرتي ببدء الشتاء. ولكن من الواضح أنه غير مزاجه هذه السنة وتحالف مع الشمس التي لم تفارق سماء حلب طوال أيام الشهر. شمس ساطعة، لاغيم ولا مطر، وكأنني لم أغاد

منذ أسبوع ونحن على موعد في الحادية عشرة ليلاً مع مايكروفون بائع االبندورة الذي يصرخ "السحارة بمية وخمس وعشرين ليرة" لماذا لايحلو له البيع إلا ليلاً؟ سر من أسرار حلب.

رياح التغيير تهب على بائع الغاز في حلب الذي استبدل أسلوب الطرق بأداة معدنية على جراره، بموسيقا فيروزية 

أما بائع المازوت فلم أكتشف بعد بماذا استبدل صوته الأجش المتحشرج وهو ينادي: مازوططططط في السادسة صباحاً؟ 

في الأمس استيقظت في الرابعة والنصف فجراً على صوت سعال أمي-التي تعاني من الربو- وتذمرها من تدخين والدي في مثل هذا الوقت! الكل يدخن بأنانية مطلقة سائقي التكسي والباصات، البائعين في المحلات، في المطاعم في البيوت في المؤسسات. ونحن مضطرين للتدخين معهم

النهر يجري في حلب، بالأمس مررت في الحديقة العامة لأجد أربع مراهقين يسبحون، أحدهم يتسلق جسر ويقفز من فوقه بطريقة استعراضية إلى النهر

وأخيراً أكوام الزبالة في ازدياد وتمدد من الأحياء الشعبية إلى أحياء تعرف بأنها راقية حيث أسعار البيوت بالملايين

31‏/10‏/2010

ما بين The Social Network .. والجرائم المحمية بالقانون ونفاق المتعلمين


شاهدت يوم الجمعة الفائت 29-10 فيلم الشبكة الاجتماعية (The Social Network) وهو دراما اجتماعية يتناول سيرة شخصية لمؤسس شبكة فيس بوك مارك زوكربيرغ الذي يعتبر أصغر ملياردير في العالم إذ تُقدّر ثروته الحالية بخمس وعشرين مليار دولار وهو لا يزال دون الثلاثين من العمر.
أعجبني الفيلم جداً، فهو من الناحية الفنية، كما جاء في مدونة فيلم ريدر الرائعة للناقد محمد رضا والتي أتابعها منذ عدة سنوات:
"الفيلم مُحكم. من الصعب تصوّر طريقة أخرى لسرده كما من الصعب تصوّر ممثل آخر عدا جيسي أيزنبيرغ لإداء الشخصية الرئيسية، ليس لأنه يهودي كما زوكربيرغ، بل لأنه يعكس شخصيّته تلك على نحو ملائم. بشعره المجعّد ونظراته التي تحتار أين تقع حين تود أن تهرب، ثم بطريقته العدائية التي لا تقيم وزناً للشخص الآخر يجسّد ما هو قابل للتصديق لشخصية تنتمي الى السنوات العشر الأولى من هذا القرن"
وأكثر ما أعجبني في الفيلم أنه لم يقع أسيراً لشهرة زوكربيرغ فيجمّل سيرة حياته ويجعله قديساً كما يحصل عادة في الدراما العربية عندما تتناول شخصية مشهورة أو نافذة. إذ كما عبّرالناقد رضا في مدونته:
"السيناريو يتبلور سريعاً حول شخصية زوكربيرغ من دون الوقوع في أسرها ومع الإبتعاد كلّياً عن الوله بها وبنجاحها. هذا ليس فيلماً عن كيف تصنع الحلم الأميركي وتعيش سعيداً الى الأبد، بل عن كيف يصنعك الحلم الأميركي من دون أن يُغيّرك تماماً. يجعلك أكثر ثراءاً لكنه لن يبدّل ما فيك من خصال سواء أكانت حميدة او ذميمة"
تشير الأرقام إلى أن مملكة فيس بوك تضم 500 مليون مشترك من كافة أنحاء العالم، يقدر عدد العرب منهم بحوالي 25 مليون. وهذا العدد يزداد يومياً على اعتبار أن اللغة العربية هي أسرع اللغات نمواً على الفيس بوك.
وإن كان الهدف من إنشاء فيس بوك في البداية هو إيجاد طريقة سهلة لشباب جامعة هارفرد للتعرف على الفتيات، فإنه اليوم أوسع وأعقد من ذلك بكثير، ولا تُعرف حجم إمكاناته أو حدوده.
مساء ذات اليوم كنت أتابع مسار حملة"التضامن مع ضحايا جرائم الشرف في يوم 29-10" التي أطلقها موقع نساء سورية، وتابعها فيما بعد مجموعة من الشباب بإنشاء مجموعة مخصصة لهذا الغرض على فيس بوك لإيصالها إلى عدد أكبر من الأشخاص، كما امتدت تلك الحملة لتشمل المدونات وهي منصة إعلامية أخرى توفر بيئة مناسبة لمثل هكذا حملات.
وبحكم تواجدي في الساحتين، وصلتني الدعوة ولبيّتها، ليس بحكم الواجب الإنساني للتضامن مع الضحايا اللواتي كان يمكن أن أكون واحدة منهن ضمن البيئة التي نشأت فيها، فحسب، بل لأنها تعنيني كامرأة من حيث اقترانها بالمطالبة بأن أَعامل كإنسانة ومواطنة وأن أتساوى مع أخي وزوجي بكافة الحقوق والواجبات وعلى الدولة والمجتمع حماية هذا الحق، فالشرف وفقاً لجميع الأديان والأخلاق والمواثيق الاجتماعية والدولية لا يفرق بين الجنسين، أو أنه لايجوز أن يفرق بينهما لئلا يختل ميزان المجتمع.
رافق هذه الحملة بعض من سجال أو مناوشات إن صح التعبير، وإن كان ذلك أمر صحي وضروري شرط بقائه ضمن حدود النقاش وإبداء وجهات النظر المتعارضة، إلا أنه كشف عن بعض المفارقات والملاحظات أسجلها هنا:
1- غياب كل أنواع المنطق الصوري والرياضي والإنساني عن بعض الأقلام التي ربطت ما بين التضامن مع النساء ضحايا الجرائم والدعوة إلى الزنا والانحلال والتفلت الأخلاقي، وهو تكريس على ما يبدو لمبدأ بوش سيء الذكر، فإن كنت ضد الجريمة فأنت مع الانحلال.
2- تشير الإحصائيات إلى أن النسبة الأكبر من مرتكبي "جرائم الشرف" هم من أبناء الريف أو غير المتعلمين، وبالتالي إن إصرار فئة من الشباب المتعلم -مستخدمي الشبكات الاجتماعية والإعلامية الحديثة- على الإبقاء على مادة في القانون السوري تؤيد العنف ضد الإناث وتشجع على قتلهن، يمثل من وجهة نظري استعلاء منهم على مواطني الشريحة غير المتعلمة وتنصلاً من المسؤولية في تخليصهم من عادات بدائية تعيق حياتهم وتمنع عنهم التطور.
وعلى الرغم من عدم وجود دراسات تبين نسبة االمتعلمين من المؤيدين ل"قانون الشرف" الذين يمكن أن يقدموا فعلاً على ارتكاب جريمة القتل بحق قريباتهم، إلا أنني أجازف وأقول إن الغالبية العظمى منهم لا تلجأ إلى الجريمة، وربما تستبدلها بأشكال من العنف البدني والنفسي، مما يؤكد وجهة نظري الواردة آنفاً، وكأن لسان حالهم يقول "فخار يكسر بعضه".
3- بينما يتربع زوكربيرغ على عرش شبكة اجتماعية نغذيها منذ أن نفتح أعيننا صباحاً بأدق تفاصيل حياتنا ويومياتنا وأحلامنا وصورنا، يجلس شبابنا الذين لايقلون ذكاء عنه ليتراشقوا ويتجادلوا حول مادة غير مقدسة سقطت سهواً وفي غفلة من الزمن الراكض واستقرت في قانون دولتنا الحديثة.
4- من مفارقات هذه الحملة أنني ولتأثري الشديد منذ طفولتي بما يسمى ب "جرائم الشرف" والظروف المرافقة لبعض هذه الجرائم ولامعقوليتها في هذا العصر، كنت كتبت قصة قصيرة* منذ أكثر من 15 عام ونشرتها في أحد المواقع الإلكترونية، وعدت بعد عدة سنوات وكتبت قصة أخرى* ونشرتها في مجلة إنترنت العالم العربي، وها أنا في الخمسين من عمري أطلب النجدة من أصدقائي وأولادي وأولاد إخوتي وأصدقاؤهم الشباب والصبايا ومن خلال شبكتهم المفضلة فيس بوك لكي ينضموا إلى هذه الحملة! (وكأن قلب الزمن توقف في مجتمعنا).
5- أن يستجيب 4 من أصل 23 ممن أرسلت لهم دعوة للمشاركة، فيما يكتفي اثنان بوضع علامة "يعجبني" يطرح سؤالاً عن سبب عزوف الشريحة الأكبر عن المشاركة حتى في حملة أنا متأكدة تماماً أنهم من المؤيدين لها.
 بما أن الزمن توقف في مجتمعنا، فسأعود لنشر القصتين هنا في وقت لاحق*

28‏/10‏/2010

أنجبت توأمين.. احتفظت بالذكر وتخلصت من الأنثى!

ما الذي دفع بامرأة هندية في بومباي ولدت توأمين، أن تتخلص من الأنثى برميها من نافذة المستشفى وتبقي على الذكر؟

كامرأة وكأم يقشعر بدني عندما أقرأ مثل هذا الخبر، ولكنني في نفس الوقت لا أستطيع أن أبعد مشاعر الرثاء والشفقة على هذه الأم التي قامت بهذا الفعل، وأذهب بعيداً في التفكير بحثاً عن الضغط المجتمعي الذي شكل الدافع لهذه المرأة لتقوم بقتل طفلتها؟ 
 هذه الحادثة تذكرنا برواية "القرن الأول بعد بياتريس" للكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف 




إنه نفس الدافع الذي كان يجعل نانتي (جدتي) تصيح وتعابير وجهها تقطر غيظاً "كرّاتي" عندما كانت تسمع أن فلانة من القريبات أو حتى أمي أنجبت أنثى!

في مراحل متقدمة من عمري استطعت أن أستوعب نسبياً الأسباب والظروف المتراكمة عبر التاريخ التي تقف وراء كراهية جدتي وغيرها من النساء والرجال في مجتمعنا لمولد الأنثى، وإصرارهم على معاملتها بعنف وقسوة وبتمييز صارخ عن الذكر، وعدم ممانعة البعض منهم وأدها بذرائع وحجج كثيرة.

إلا أنني لا أستطيع مهما بلغت من العمر أن أستوعب أو أن أجد مبرراً لوجود مادة في القانون السوري تدعم هذا العنف والتمييز، إن القانون الذي وضع أصلاً لكي يشعر جميع المواطنين بالأمان بفضله، يشعرني كأنثى بالخوف والاضطراب، ما ينعكس بدوره فشلاً في إنجاز المهام والواجبات الملقاة على عاتقي وأولها تربية أبناء أصحاء جسدياً ونفسياً، وثانيها المساهمة في بناء مجتمع سليم ومنتج.

لذا ومن هذا المنطلق وإن كان من واجبنا نساء ورجالاً في سوريا "الحضارة" أن نتضامن مع أرواح النساء اللواتي يذبحن باسم الشرف اليوم وكل يوم، إلا أن الواجب يستدعي منا أولاً أن نطالب بمساواة المواطنين جميعاً ذكوراً وإناثاً أمام القانون السوري، وأن نسعى ونعمل من أجل إلغاء المادة ( 548 ) التي يعتبر وجودها عار على القانون في دولتنا وعار على المواطنين الذين يقبلون بوجودها.


22‏/10‏/2010

(548) إلى متى ؟؟؟؟؟

كن مجرماً، سارقاً، خائناً، مرتشياً، منافقاً، قواداً، عاطلاً، سكيراً، مغتصباً، ... لايهم!!!


مايهم أن تكون رجلاً وسكينك جاهزة لتجز عنقي، فتصبح شريفاً وفقاً لجهابذة القانون السوري.

04‏/10‏/2010

طرق بدائية للتملص من أعين الرقيب!!


كلما قمت بحملة نفض الغبار وتعزيل الخزائن العلوية التي تحوي أشياء أحتفظ بها من سنين بعيدة ومن شبه المؤكد أنني لن أحتاجها يوماً،أفكر برميها أو توزيعها وفي كل مرة أعيدها إلى مكانها قائلة لنفسي في المرة القادمة.
فوجئت بكتاب موجود بين مجموعة من الثياب والألعاب، لم أتذكر في البداية لماذا هو هنا أصلاً، أو متى وضعته؟ وعندما قرأت الغلاف الخلفي بدأت تتضح الصورة، ثم كالعادة نسيت التنظيف ورحت أتصفح محتوياته!
الكتاب هو رواية "سرنامة وقائع احتفال رسمي" للكاتب التركي عزيز نسين.
تعرفت على عزيز نسين ككاتب ساخر وأعجبت به، ولكن عندما قرأت له هذه الرواية صدمتني قسوتها. يتناول نسين في هذه الرواية السجن كمؤسسة عقابية ويصوره مكاناً للفساد والشذوذ والجريمة، ويعري من خلاله واقع المؤسسات الحكومية المعادية للحرية وحقوق الإنسان.
ولكن ماذا تفعل هذه الرواية في هذا المكان بعيداً عن إخوتها ورفيقاتها؟؟
إنها الرقابة!! عندما قرأتها وجدت أنها غير مناسبة لابنتي -التي شاركتني في قراءة بعض قصصه القصيرة- لتقرأها فأخفيتها قبل أن تراها، وبما أن لدي خبرة مع الرقابة الأبوية فقد أخفيتها بعناية في مكان لاتستطيع أن تصل إليه (أو هكذا أظن)، ونسيتها.
عندما كنت في الثالثة عشرة كان في بيتنا بعض الكتب المرمية في عدة أماكن من البيت، منها قصص لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومجموعة كبيرة لجرجي زيدان وكتب ابن عربي وغيرهم، وبحكم عدم وجود أي نشاط يمكن أن أقوم به – أو ربما مسموح به- جاءت الكتب كمنقذ لي في الصيف.
جذبني غلاف وعنوان رواية "شفتاه" لإحسان عبد القدوس، فبدأت بقراءتها وأنا ممددة على الصوفا في غرفة القعدة، يبدو أن انغماسي في القراءة لدرجة بقيت فيها مسترخية أثناء دخول والدي الغرفة أثارت في نفسه الشك، فسألني: ماذا تقرأين؟ قلت بلا اهتمام: قصة! سحبها من يدي وقلب صفحاتها، ثم أعلن فرماناً يقضي بأنه ممنوع علي قراءة مثل هذه القصص!!
لم أفهم ماذا يعني بهذه القصص، ولم يكلف نفسه أن يشرح! في اليوم الثاني سطوت على خزانة ملابسه وسحبت القصة وأنهيت قراءتها قبل عودته من الشغل، وعلى إثرها قررت أن أقرأ جميع قصص هذا الكاتب الممنوع، وهكذا قرأت كل ما وقع تحت يدي له. مثل أنا حرة، شيء في صدري، لا أنام، في بيتنا رجل، النظارة السوداء، وغيرها كثير.
تعلمت أن أستأجر قصصاً من مخزن للكتب المستعملة في حلب وأقبلت أقرأ كل شيء يمكن أن أحصل عليه في الصيف والشتاء، أحياناً وعند توفر ليرات قليلة كنت أشتري بعض الكتب التي تعجبني وأرغب بالاحتفاظ بها لإعادة قراءتها.
وللتخلص من أعين الرقيب كنت أغلف الكتب بورق نستخدمه عادة لتجليد الكتب المدرسية، وإمعاناً في التمويه أضع عليه بطاقة كتب عليها أنه كتاب تاريخ أو جغرافية أو دين وأمسك بيدي قلم رصاص على أساس أنني أدرس، هكذا ولسنوات قرأت كل ما يخطر أو لايخطر على البال، وكثير من الكتب لم أفهم منها شيئاً والبعض منها سبب لي أرقاً منعني من النوم لأيام من كثرة التفكير.
اليوم وبعد سنين طويلة أطلق سراح سرنامة عزيز نسين وأعيدها إلى مكانها، ولست متأكدة إن كنت نجحت في مسعاي أم أن "تياما" طورت وسائل أكثر ذكاء في تخطي الرقابة؟!





24‏/08‏/2010

خلعت أسلحتي وعدت إلى الحظيرة...!

تختلف عبارة "كلام رجال" جوهرياً عن عبارة "كلام نسوان" فالأولى تعني الالتزام والصدق واقتران الكلام بالفعل فيما تعني الثانية أنه مجرد حكي فاضي وغير ملزم.
وإلى أن يكتشف العلماء أسباب هذا الاختلاف، بما يفتح المجال لردم الفجوة بين الجنسين وتمكين المرأة -كلامياً على الأقل، ننعم نحن النسوان بهذه الحقيقة العلمية الدامغة التي نعتبرها ميزة، فنستمتع ونستفيض بالحكي الفاضي فيما يستفيض الرجال ويستمتعون بالحكي عن حكينا الفاضي.
وبما أنني أنتمي لفصيلة النسوان فلا أجد حرجاً في التراجع عن قراري الذي أعلنته سابقاً والتزمت به لمدة سنة كاملة، والمتعلق بمقاطعة التلفزيون. ورغم أنني غير مطالبة بتبرير تراجعي للاعتبار المذكور، إلا أنني سأورد بعض الأسباب تطوعاً.
فبالإضافة إلى الطابور الخامس الموجود في عقر داري والذي يدفعني بنعومة ومن حيث لا أشعر بالإقدام على اتخاذ قرارات لا أريدها، هناك مبررات للتراجع، منها ذاتية وأخرى موضوعية:
أولاً كوني عالقة هنا وعندي حنين إلى هناك، فالمسلسلات الرمضانية ستقلص مساحة هذا الحنين.
ثانياً إن مشاهدة المسلسلات في رمضان هي واجب يقع على عاتقنا دعماً للمنتجات الوطنية.
ثالثاً إنها (المسلسلات) تلعب دوراً في تخفيف الضغط النفسي، بما توفره لنا من مادة للحكي الفاضي والمليان فننشغل بتفاصيلها إلى درجة نظن أننا أصبحنا خبراء ليس في الدراما فحسب وإنما في علم النفس أيضاً.
وبناء عليه ها أنا أحمل الراية البيضاء وأعلن انضمامي إلى صفوف المشاهدين والمشاهدات الجالسين والجالسات على القلاطق والصوفايات، نفلي ونمشط كل الفضائيات، بحثاً عن البرامج والمسلسلات، بين لقمة قطايف وأخرى عوامات، لا نبارح مواقعنا إلا مع ظهور الإعلانات، نتراكض خلالها لقضاء حاجة مستعجلة بين المطابخ والحمامات، خوفاً من أن يفوتنا مشهد مؤثر لرأس بحد السيف يتطاير أو بقعة ضوء نستجدي منها الابتسامات.


12‏/08‏/2010

الفضيحة

بقلم: فاطمة نعناع
في الصباح، وما أن يطلق المنبه رنينه الحاد، معلناً عن بداية يوم جديد، وداعياً إلى نفض غبار النوم عن العيون، حتى يسارع سنتياغو إلى كتم أنفاس المنبه بيد، وسحب الغطاء فوق رأسه باليد الأخرى، طلباً لدقائق إضافية من النوم.. لكن، عندما تطلق أمه تهديدها، بأنها ستغادر البيت خلال دقائق، يضطر إلى القفز من السرير صائحاً: ثوان وأكون جاهزاً..
اليوم على غير العادة لم تسمع الأم صوت المنبه، فتوجهت إلى غرفته مستفسرة عن سبب تأخره.. جاءها صوته واهناً من تحت الغطاء بأنه يشعر بالتعب ولا يرغب بالذهاب إلى المدرسة. غالباً لا تأخذ الأمهات مثل هذه الادعاءات على محمل الجد، وتفسرها بأنها إما نتيجة للكسل أو للتهرب من مشكلة ما.. ولكن ما جعل أم سنتياغو تهتم، أنها لم تعهد بابنها مثل هذا السلوك، فهو طالب متفوق، ولم يفقد حماسته للعلم يوماً، ولذلك سألته إن كان يرغب في الذهاب إلى الطبيب، فأجاب بالنفي، وأن ما يعانيه مجرد إعياء بسيط، وأنه يحتاج للراحة فقط..




في المساء عاد الأب، وفور وصوله توجه إلى غرفة ابنه ليطمئن على حالته، فوجده لا يزال في سريره. وعندما أبدى قلقه، فوجئ به يخبره بأنه قد فصل من المدرسة لمدة شهر!!
عندما تفصل مدرسة أحد طلابها المتفوقين، والمشهود لهم بحسن السلوك، لمدة شهر، وبدون إخبار أهله، فهذا يعني أنه قد اقترف ذنباً خطيراً!! لكن ما الذي اقترفه الشاب حتى يستحق مثل هذه العقوبة القاسية؟؟ هذا ما توجه به الأب نحو ابنه قبل أن يتوجه إلى المدرسة ليطلع على حقيقة الأمر..
منذ أن قدم الأب أنطونيو مهاجراً من هندوراس قبل أكثر من عشر سنوات، واستقر في ولاية فلوريدا الأمريكية، وهو يحاول تحسين ظروفه المعيشية. وعلى الرغم من الصعوبات التي كانت يمر بها في عمله كثيراً، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاهتمام بأسرته، وخاصة متابعة أمور ولديه الدراسية. ومن جهته لم يقصّر سنتياغو، البالغ من العمر ستة عشرة عاماً، والطالب في الصف الثاني الثانوي، في دروسه، وسجل درجاته الممتازة، يؤهله للحصول على منحة من إحدى الجامعات الأمريكية. لكنه، منذ أن انتقل في بداية العام الحالي مع أسرته إلى ولاية هيوستن، والتحق بإحدى مدارسها الثانوية، وهو يعاني من مشاكل لا تنتهي، مما أقلق والديه، خوفاً على تدهور مستواه الدراسي، وبالتالي ضياع مستقبله كغيره من الشباب، الذين يجدون أنفسهم غارقين في مشاكل تحاصرهم وتقودهم إما إلى الانخراط في عصابات العنف والجريمة، أو الارتماء في أحضان المخدرات..
بدأت معاناة سنتياغو عندما وجد نفسه في مدرسة تحفل بكثير من المتناقضات، يكاد التعاون يكون معدوماً بين كل من الهيئة التدريسية والهيئة الإدارية، ربما بسبب ضعف المدير وتسليمه إدارة المدرسة للمشرف الإداري الذي يتعامل مع الطلاب بمكيالين. ففي الوقت الذي يتغاضى فيه عن كثير مما يقوم به بعض الطلاب من أفعال تصل إلى حد الإساءة لزملائهم أو حتى لمدرسيهم، لا يتوانى عن معاقبة البعض الآخر لأتفه الأسباب! تحكمه في ذلك معايير ذاتية وأهواء خاصة. وتلك المعايير نفسها تحكم علاقته بالمدرسين.
والمشكلة، أنه عندما يشتكي أحد الطلاب من سوء المعاملة، فإنه يتعرض للسخرية والإهانة، على يدي المشرف.
وجد سنتياغو صعوبة في التأقلم مع هذه الأجواء الفاسدة، ومراراً طلب من والده أن ينقله إلى مدرسة أخرى، لكن الأب كان يكرر على مسامعه، أن البداية في كل مكان غالباً ما تكون صعبة، وعليه الصبر، ويزيد عليه بقوله: أنت شاب ذكي وبالتالي بإمكانك اكتشاف الطريقة التي ستمكنك من التعامل مع الأمور مهما كانت صعبة.
كيف السبيل إلى ذلك وهو يشعر بأن ذكاءه يسبب له الإحراج؟ فلأنه متفوق جداً في مادة الرياضيات، كان يصطدم كثيراً مع مدرس غير كفء، يزعجه وجود طالب في الصف بهذه الدرجة من الذكاء، ويسبب له الإحراج أمام طلاب الصف!! واتهمه المشرف، لهذا السبب، أكثر من مرة بأنه يسعى إلى إثارة الشغب والفوضى، واستعراض مهاراته في الصف وتأليب الطلاب ضد مدرسيهم، مما سيضطره إلى اتخاذ الإجراءات الرادعة لوقفه عند حده..
على النقيض من ذلك، كان مدرس الكمبيوتر يمتدح مهاراته ويشجعه على الاستمرار، ولا يبخل بتقديم المساعدة له ولغيره من الطلاب في هذا المجال، وقد أعجب بالصفحة الشخصية التي أنشأها سنتياغو على شبكة إنترنت وحثه على تطويرها، وهذا ما حصل حتى أصبحت صفحته الشخصية منتدى لتبادل الرسائل بينه وبين زملائه الذين راحوا يتداولون بداية أمورهم الخاصة، ثم تطور الأمر وانتقلوا للتباحث بأمور المدرسة، وبدؤوا بطرح أسباب المشاكل التي يعانون منها في المدرسة، والأساليب الكفيلة بتخليص المدرسة من الحالة التي هي عليها. واقترح أحدهم إثارة الأمر في وسائل الإعلام، وعزا آخر سبب المشاكل إلى المشرف الذي اتهمه بأنه متواطئ مع مجموعة من الطلاب الذين يشكلون عصابة تفرض على زملائهم ما يريدون، حتى أنهم يفرضون غرامات مالية، ويتعرضون بالضرب لمن يخالف أوامرهم.. وتناول بعضهم، أيضاً، مشكلة ضعف أداء بعض المدرسين، وحتى المدير نفسه لم يسلم من انتقاداتهم.. وخلال فترة قصيرة ، شاع أمر الصفحة بعد أن اجتذبت بعض المهتمين بهذه المسائل من خارج المدرسة، وقد وصل أمرها إلى إدارة المدرسة، فقام المشرف بمتابعة ما يكتب لعدة أيام قبل أن يستدعي صاحب الصفحة، سنتياغو، ويعبر له عن انزعاج المدرسة من تناول أخبارها بشكل يؤدي إلى تشويه سمعتها، وأمره بإزالة كل ما يتعلق بشؤون المدرسة من الموقع فوراً، وإلا سيتخذ بحقه الإجراءات الإدارية التي تنص عليها لائحة النظام المدرسي!!
انصاع الطالب للأمر وقام بحذف جميع المواد المتعلقة بالمدرسة، وطلب من جميع زملائه عدم التعرض لمثل تلك القضايا. طبعاً خوفاً من تهديد المشرف له وحفاظاً على سجله نظيفاً من أي نقاط سوداء يمكن أن تؤثر على مستقبله.
وعمد المشرف إلى مراقبة الصفحة لفترة، ليتأكد من عدم وضع أي مواد تتعلق بالمدرسة، كما كلف سراً أحد الطلاب المقربين منه بمتابعة المراقبة..
لن يطول التزام سنتياغو بتعهده أمام المشرف، بعدم نشر أي مواد تسيء لسمعة المدرسة، لأن ما يقوم به المشرف لا يمكن السكوت عنه، خاصة بعد آخر مشكلة حدثت في المدرسة، والطريقة التي تعامل بها المشرف مع بعض الطلاب.
في الصباح الباكر قام أحد الطلاب بكتابة بعض العبارات البذيئة على جدران المدرسة، وفي داخل بعض الصفوف، كما لم ينج باب غرفة المشرف والمدير من تلك العبارات. عندما حضر المشرف وأحيط علماً بما جرى، أسرع إلى الصفوف التي كتبت العبارات داخلها، وأغلق أبوابها، وبدأ بتفتيش كل غرفة بدءاً من خزائن الطلاب، ثم راح يفتش الطلاب تفتيشاً دقيقاً، وبطريقة مهينة. وأثار حنق الطلاب، أيضاً، استثناء البعض من هذا التفتيش. وفوق هذا إهانته لبعض الطلاب، الذين افترض أنهم من قام بمثل هذا العمل، ولم يسلم سنتياغو من لسانه، مذكراً إياه بما تم تداوله في صفحته على الإنترنت.
وكان لهذا الحادث أثره في زيادة حقد الطلاب على المدرسة، ولم يجدوا مجالاً للتنفيس عن غضبهم سوى العودة إلى الكتابة، وبدأت تظهر دعوات لوضع حد لهذا الوضع، ولعدة أيام انشغل الطلاب بالحديث والنقاش، واتصل بعض الأهالي يسألون عن صحة ما يشاع عما يجري في المدرسة، فاستنكرت الإدارة ما يكتب، وادعت أنها أحاديث مراهقين!!
استدعي سنتياغو من قبل الإدارة، ووجهت له تهمة الإساءة المقصودة للمدرسة، وبما أن المدرسة قد نبهته قبل ذلك، وحذرته من تشويه سمعتها، فلابد من معاقبته وخاصة بعد عرض نماذج من العبارات التي سجلت في الموقع على مجلس إدارة المدرسة. ووافق مجلس إدارة المدرسة على فصل سنتياغو لمدة شهر بتهمة الإساءة للمدرسة، والتحريض على إثارة الفوضى والشغب فيها.
نتيجة لهذا القرار، سيضطر سنتياغو إلى إكمال بعض المواد التي لن يحضر امتحاناتها في الصيف، مما سيؤثر على معدل درجاته، وبالتالي على قبوله في الجامعة، وهو ما أثار نقمة والده، فتوجه إلى المدرسة طالباً إعادة النظر في هذا القرار المجحف بحق ابنه، وعندما رفضت المدرسة طلبه، لم يعد أمامه سوى رفع القضية إلى المحكمة، التي فتحت تحقيقاً فورياً شاملاً بالقضية، وبعد مداولات سريعة أقرت المحكمة ببطلان قرار فصل الطالب، وقضت بعودته إلى مدرسته. أما بشأن ما قدمته إدارة المدرسة من حجج استندت إليها في قرارها بفصل الطالب، فقد اعتبرتها المحكمة غير ذات قيمة لأن ما ورد على صفحات موقع سنتياغو، هو تعبير عن الرأي الذي يعتبر أحد الحريات التي كفلها الدستور للمواطن.
وكان لهذه الحادثة أن أثارت الانتباه إلى الأوضاع السيئة التي تعاني منها المدرسة، وعلى أثرها طلب من المشرف والمدير تقديم استقالتهما، وهذا ما كان..





ظلال على الثلج

وكأنني أحمل حيواناً اصطدته على الثلج في الهاي بارك تورون