11‏/05‏/2015

العقار القاتل

بقلم:فاطمة نعناع
قصة حقيقية: عندما يخرج الشيطان من عالم إنترنت السفلي!
كانت البداية عندما تعرف إليها خلال حفل التعارف الذي أقامته الجامعة في بداية العام الدراسي. أثارت إعجابه بشخصيتها، التي بدت واثقة، متفائلة، واضحة .. عمل على التقرب إليها، وكلما كان يقترب منها أكثر، كان يزداد إعجاباً بها..
قبلت صداقته ووثقت به.. ويوماً بعد يوم وجد نفسه مغرماً بها، إلى درجة سيطرت على تفكيره. وبما أنه يعلم أنها لم تكن مرتبطة عاطفياً، استجمع شجاعته واعترف لها بحبه.. ببساطة ووضوح أعلنت له أنها تعتبره صديقاً مميزاً، ولكنها لا تفكر حالياً بالارتباط بعلاقة عاطفية. وبررت ذلك برغبتها في التركيز على دراستها، وبأنها تطمح إلى التفوق، ولا تريد ما يعيق هدفها..
استغرب ردها، ولم يصدق أنها ترفضه لسبب اعتبره غريباً! كبر الأمل في قلبه مع الوقت، خاصة وأن صداقتهما استمرت، وتوطدت، ما اعتبره من جانبه دليلاً على قبولها إياه.. وانتظر أن تأتي الخطوة المقبلة من طرفها.. ازداد تعلقاً بها، ويبدو أن انتظاره طال بلا نتيجة، فانساق وراء الرغبة في البحث عن طريقة تجعلها تحس به، وتستجيب لعواطفه الجياشة!!
استشار أحد أصدقائه، فنصحه أن يقبل بالأمر الواقع، ويترك لها حرية القرار.. لكنه كان غارقاً في التفكير بها، لدرجة لم يعد معها للواقعية مكان.. فكر أن يستشير أخصائياً نفسياً، ولكنه أبعد تلك الفكرة، خجلاً، وربما كبرياءً..
توجه للاستشارة عبر إنترنت، من خلال موقع يناقش فيه الشباب مشكلاتهم، ويتلقون مساعدة من قبل آخرين بينهم من يدعي أنه أخصائي نفسي!!
عندما طرح مارك مشكلته، أكد له أحدهم، أن صديقته تعاني من الخجل، أو الخوف من إقامة علاقة مع شاب، وتتذرع بالدراسة، ولذلك فهي تحتاج إلى علاج. وتبرع آخر بوصف العلاج الذي يراه مناسباً، كونه مر بتجربة مشابهة، إذ أنه خلّص صديقته من عقدة الخوف، عن طريق إعطائها عقاراً له مواصفات سحرية، وأتبع مشورته بأن نبه مارك إلى صعوبة الحصول على هذا العقار، لكنه تبرع بإعطائه عنواناً لموقع يمكن أن يساعده في الحصول عليه!!
بوجود إنترنت أصبح بإمكانك الحصول على ما تريد سهلاً، مهما كان خطيراً، أو غير مشروع!!
موقع منحرف
بعدما تجاوز لوسيانو الستين من عمره، وأصبح بلا عمل، أدرك أن مدخراته لن تكفيه للعيش لفترة طويلة، وأن عليه البحث عن مصدر للرزق!! توجه مباشرة، إلى إنترنت، عله يجد فيها ما ينقذه، وبعد جولات عديدة قام بها على مواقع متنوعة ومختلفة، لم ينجح، لكنه اكتشف أن أكثر المواقع رواجاً، والتي تحقق ربحاً مادياً، هي المواقع التي تقدم كل ما هو شاذ، وغير مشروع..
راح يبحث عن مادة يتاجر بها، وفجأة تذكر الوصفة التي ستجلب له المال.. كان في فترة سابقة قد عمل في مصنع للأدوية أغلق لنشاطه المشبوه، وتعلم فيه طريقة صنع عقار يخدر الأعصاب ويشل المقاومة تماماً، ويدعى لهذا السبب، عقار "الاغتصاب". وأنشأ بالفعل، موقعاً يبيع فيه المواد اللازمة لصنع هذا العقار، بالإضافة إلى الوصفة التي تشرح طريقة التحضير!!
المأساة
من جهته رفض مارك التفكير في هذا الأمر، لكنه زار الموقع المذكور، من باب الفضول..! كانت تلك الخطوة الأولى.. أما الثانية، فلم يقاوم مارك الرغبة في الاستفسار عن هذا العقار، وتأثيره ، وأضراره.. وجاءته التأكيدات بأنه آمن تماماً بالطبع، وخاصة إذا اتبع الوصفة المرافقة بدقة!
لعدة أيام سيطرت الفكرة الشيطانية عليه.. وكان كلما يتذكر صديقته، يخجل من نفسه، ويحاول التخلص من تلك الفكرة، ولهذا رأى أنه أصبح بحاجة إلى استشارة من يثق به، للخروج من هذا النفق الذي وجد نفسه فيه..
لكن، إلى من يلجأ؟ منعه كبرياؤه من التوجه إلى أحد أصدقائه، ومنعه شعوره بالخجل من استشارة أحد والديه.. ومن جديد توجه إلى إنترنت، التي أصبحت تأخذ دور الأصدقاء والعائلة، خاصة أن الشخص بإمكانه أن يطرح المشكلة التي يعاني منها، بدون خجل، أو شعور بالحرج!! ومن جديد وجد من يتبرع بنصائح يبدو أنها لاقت استحساناً في نفسه، ومن بينها تلك النصيحة التي ألقاها أحدهم، وشجعه فيها على تجربة ذلك العقار على صديقته، بحجة أنه لن يخسر شيئاً.. فإذا لم يعجبها الأمر، فستقطع علاقتها به بدون أن تدري شيئاً عما شربت!! ومن يدري؟ ربما يكون صاحب تلك النصيحة هو نفسه صاحب الموقع، الذي كل ما يهمه الترويج لبضاعته؟!
عمل مارك بتلك النصيحة.. اشترى العناصر اللازمة لتركيب العقار من موقع ويب المذكور، ثم ركّبه بنفسه، ودسه خلسة، في كأس العصير، الذي قدمه لصديقته.. لكن خسارته كانت أفدح من أن يتوقعها! فبعدما شربت ابنة الثامنة عشرة، كأس العصير، تحولت خلال فترة قصيرة، إلى جثة هامدة..!
العاقبة
في سجن المدينة يقضي مارك معظم وقته صامتاً شارداً.. وغالباً ما يدفن وجهه بين يديه، مخفياً آثار الألم النفسي الذي يعانيه منذ تلك الليلة.. ويترقب بخوف الشهور الثلاثة، التي تفصله عن جلسة الاستئناف، وما سيصدر عنها. فهل تؤكد الحكم الصادر بحقه، والذي سيقضي بموجبه عقوبة بالسجن بتهمة القتل غير المتعمد؟!
أما موقع ويب المنحرف، فأغلقته السلطات المختصة، وأحالت صاحبه إلى المحكمة..


ظلال على الثلج

وكأنني أحمل حيواناً اصطدته على الثلج في الهاي بارك تورون